الأربعاء، 26 نوفمبر 2008

عمالة الأطفال بين الاتفاقيات وسوء الوضع الاقتصادي


«رجال صغار» يـــسرق الشارع أحلامهم


من بين زوايا بيت متهالك لم تطله يد التغيير، كنا هناك وأخبرتنا أركان وجدران المنزل بما لا يقال، حيث قابلني الطفل (أحمد) الذي تفيض من عيناه أسمى معاني البراءة، وتتكئ عليه يد سيدة غيرت ملامحها سنوات عجاف ويتوسط المنزل رجل اشتعل شعره شيبا جالسا على كرسي مدولب.تفيض عينا احمد حزنا، وجبينه يعكس سنين من العمل المضني والشاق، لم تحمل تلك الأسرة البسيطة إلا 3 فتيات وفتى هو سند تلك العائلة، جاء بعد عناء وانتظار، يداه شوهتها قسوة الحياة وخطوطها أصبحت أكثر عمقا وشدة جراء العمل الشاق، فلم يحمل الزمن الرديء أي بذور تبشر بالأمل، فالطفل لم يبتع لنفسه حقيبة مدرسية منذ ما يقارب الثلاث سنوات وكلما اهترأت منها قطعه تداركتها شقيقته بالإبرة والخيط، انحنى ظهره الصغير ليحمل عبء الشباب والمشيب، فطالته يد الحاجة لتعجل تلك السنون في وقت قصير فبادر بإلقاء الحقيبة تحت غرفة السلم الخشبي وسارع لينضم لقافلة عمالة الأطفال خوفا من غدر الفقر.وها هو يطوف مع صديقه بين الأزقة، وقد بللت يده الصغيرة قطعة من القماش في دلو من الماء، لمعالجة سيارة متوقفة بالقرب من فندق الريجنسي، يستلم بعد ذلك نصف دينار نظير عمل استمر 10 دقائق في أشعة الشمس الحارقة، بقي على هذا المنوال منذ الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من النهار.

ومن بعد استراحة الظهر ساقته قدماه نحو ساحة كبيرة تباع فيها أصناف متنوعة من الفواكه والخضروات.. ينادي ''حمالي .. حمالي'' وهو يسوق عربة استأجرها بنصف دينار من آسيوي، واستنفدت عملية توصيل البضاعة لسيارات زبائن السوق ما تبقى من طاقة في جسمه النحيل، ليعود بعد ذلك الى منزله والشمس تبدأ في ارتداء ثوب الغروب استعدادا للمغيب، يعود بحصيلة ذلك اليوم من عرق جبينه ويضعها في حضن والده المقعد.. وسالت بعدها قطرات من الدموع.

قصص من الواقع

قدرت منظمة العمل الدولية عدد الأطفال العاملين في العالم بنحو 250 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5-14 سنة، وتشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد الأطفال العاملين في العالم العربي يبلغ (12) مليون طفل. انتقلنا إلى أسواق المحرق وجدحفص والمركزي فقابلناهم والعرق يتصبب من (جباههم) ويشاركهم عملهم.جاسم جعفر (16 سنة) يحمل الطابوق والخشب وأكياس الاسمنت يضعه تارة ويحمله تارة أخرى ليتنفس قليلا ويريح أكتافه المتهالكة وليلتقط مصروفه الذي أخذه من والده المتقاعد والذي يعيل 7 أبناء، ذلك المصروف الذي لا يكفيه ليشتري ما كان يحلم به إلا أن جاسم لم يترك الدراسة أبدا. أما باسل عيسى (14 سنة) يعمل في مهنة (تسفيط السمك والروبيان) وسط أجواء الصيف الحارة جالسا على ذلك الكرسي الخشبي بابتسامته العذبة ويديه الصغيرة المتعبة يحصل من ذلك العمل على مبلغ زهيد جدا، باسل يعمل للقضاء على وقت فراغه في العطل السنوية ولكسب المال. وحسن إبراهيم (15 سنة)، يعمل مع أبيه في بيع الفواكه والخضروات حاملا الحاجيات للمشترين بيديه المحتقنة اللون جراء حمل الأكياس وصناديق الفواكه، وهو يعمل بهدف كسب الخبرة والمال ولمساعدة عائلته. أما حسن جاسم (16 سنة) يعمل في محطة البترول متحملا رائحة دخان السيارات الخانق ولزوجة الأرض وحالة الطقس من برودة وحرارة، رغبة في شراء دراجة نارية، حلم حياته!جاسم محمد صالح (16سنة) (العامل أو الفراش) في إحدى الشركات.. والده متقاعد، يعمل للحصول على الخبرة وشراء كل ما يرغب فيه من عرق جبينه.اتفاقية الأمم المتحدةيقول الأمين العام لجمعية البحرين لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي ''البحرين مصدقة على اتفاقية الطفل في الأمم المتحدة والتي تنص على منع عمالة الأطفال واستغلالهم''.وأوضح الدرازي ''ليس هنالك وجود لعمالة حقيقية في البحرين التي تنظمها شركات''، ويستطرد ''لكن نتيجة للوضع الاقتصادي السيئ لكثير من الأسر البحرينية التي تستلم معونات لا تفي بجميع احتياجاتهم، الى جانب ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة، يدفع الأهالي بأولادهم مرغمين للانخراط في العمل''.

ويتابع ''كما نستطيع ان نقول ان ذلك نتيجة لعدم توفر برامج ترفيهية مجانية في الصيف ومراكز في كل منطقة تحتضن الأطفال بكل طاقاتهم وإمكاناتهم''.
ويدعو الدرازي لمساعدة الأسر المحتاجة، فعلاوة الغلاء تم الحديث عنها أكثر بكثير من صرفها، مضيفا ''يجب أن يكون هناك دور من الحكومة للمباشرة بحل هذه الظاهرة حتى لا تتفاقم في السنوات المقبلة''.يتميزون بخشونة وقسوة السوقأما الاختصاصية الاجتماعية بمجمع السليمانية الطبي نوال زباري فتقول ''أنا ضد عمل الأطفال، فالطفل لا يأخذ حقه في الاستمتاع بمراحله العمرية (...) هناك ظروف تداخلت فيما بينها وساهمت بشكل كبير في تفاقم هذه القضية''.
وتؤيد زباري الدرازي بقولها ''الحالة المادية التي تعاني منها الكثير من الأسر البحرينية والوضع المعيشي الصعب جراء غلاء الأسعار دفع بالأسر لزج أبنائهم في مجال العمل مبكرا''.وتؤكد زباري بأن ''الأسلوب التعليمي الموجود في بعض مدارس البنين خصوصا، لعب دورا أساسيا في هذه الظاهرة، فبحكم العمر والهرمونات الموجودة لدى البنين، والتي تجعل الطفل دائم الحركة والمشاكسة، يلجأ المعلمون لاتخاذ أسلوب الضرب والقسوة أحيانا، مما يجعل الطالب يفضل العمل على المدرسة''.وتابعت ''هذه الفئة العاملة من الأطفال خصوصا يتميزون بالخشونة والقسوة والقوة الجسدية ورهافة قلوبهم وذلك لانعكاس بيئة السوق على نفوسهم البريئة''.وتستطرد زباري ''يجب على الحكومة أن تبحث عن حلول بديلة وذلك بأن تباشر بالتحسين من وضع الأسر المحتاجة وتقديم المعونات إليها، فبعض الأسر تتوارث الفقر نتيجة لظروف اجتماعية''.
وقالت ''يجب إدماجهم في مشروعات بسيطة لئلا يكون أعضاء الأسرة اتكاليون على المساعدات فقط فيجب أن يكون كل من الأم والأب والأبناء منتجين''.وتضيف ''كأي إنسانة بعيدا عن الوظيفة يحز بنفسي أن أرى طفلا يبيع أو ينظف أو يعمل فهذه الأيدي الصغيرة يجب أن تتمتع بكل مرحلة عمرية''.
الطفل مسلوب الإرادةوتبين رئيس لجنة المرأة والطفل بمجلس الشورى دلال الزايد ''إن الطفل مسلوب الإرادة في الموافقة والقبول''، وتؤكد بأنها ضد فكرة سلب الأطفال حق استكمال التعليم.وتتابع الزايد ''يجب على المسؤولين ضبط هذه الحالات ليس لاتخاذ أسلوب عقاب وإنما لمعرفة السبب وراء هذه القضية ومساءلة المتولين برعايتهم''.
وتبين ''إن الفقر مرتبط بآثار سلبية يمر بها المجتمع ولكن هناك تدابير وفعاليات اتخذتها الدولة للحد من هذه القضية منها: المعونة الشهرية وصندوق النفقة لإعالة المرأة المطلقة وأيضا تخصص في ميزانية الدولة مبالغ لرعاية الطفولة (...) ينص الدستور على وجوب حماية الطفولة ولكن متولي رعاية الأطفال يخلون بالقانون فالبعض منهم يدفع بأبنائه للعمل''، وتستطرد ''يتجه مجلس الشورى لعقد عدد من الاجتماعات مع جهات رسمية معينة للحد من هذه القضية''.

أما بعد

كثيرة تلك الحالات التي تسوقها يد العوز لتدفع بثمرات الحياة للعمل حيث هناك لا احد يرحم طفولتهم أو يشفق عليهم فهل أصبح القدر ارحم عليهم من البشر؟

!المصدر // http://www.alwaqt.com/art.php?aid=126937


فائق الاحترام والتقدير ,,,,,,,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضوؤكم يُبهِِرُني فلا تحرموني عبوره ,